و موقف النجشي
بعدما اشتد الخناق على المسلمين في مكة أمرهم الرسول صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى الحبشة للاستعانة بملكهم النجشي فهاجر كل من جعفر بن أبي طالب - عثمان بن عفان - أم حبيبة - سوداء بنت زمعة و كثيرون غيرهم و دامت مدة مكوث بعضهم خمسة عشر سنة و عندما وصل المسلمين إلى الحبشة أرسلت قريش عمرو بن العاص ليتعقبهم و يفسد عليهم طلبهم لكونه صديق الملك النجشي فنجح عمرو بن العاص في باديء الأمر في رفض الملك سماعهم لكون حجتهم ضعيفة و لكن تدخل جعفر بن أبي طالب و قال للملك أتيناك لاجئين بعدما عدانا أهلنا فلم تعطنا حتى فرصة الدفاع عن أنفسنا فقال الملك هات ما عندك فقال جعفر كنا قوم جاهلية نقطع الأرحام و يأكل القوي منا الضعيف و نسيء الجوار و نأكل الميت و نفعل الفواحش فجاء رجل منا نعرف صدقه و عفافه و أمانته فأمرنا بصدق الحديث و أداء الأمانة و حسن الجوار و نهانا عن الفواحش و أكل الميت و شهادة الزور فعادانا قومنا وظلمونا و عذبونا و قهرونا فقال لنا نبينا محمد اخرجوا إلى أرض الحبشة فإن بها ملك لا يظلم عنده أحد فخرجنا إلى أرضك و ما اخترنا سواك و رجونا حزمك فقال النجشي هل عندكم شيء يعلمكم كل هذا فقال جعفر القرآن فقال النجشي أفي قرانكم ما يتحدث عن المسيح فذكر سورة مريم فبكى النجشي و حاشيته و قال إن الذي قلت و الذي جاء به المسيح لينبعان من مشكاة واحدة فاذهبوا و عيشوا بأرضي سالمين و لن أسلمكم و لو بجبل من ذهب
فيعيش المهاجرين في أمان و يقتسموا مع أهل الحبشة الحرف فتعلمهم أم سلمة صنع الملابس الجلدية و يبيعونها لهم بأثمان رخيصة حتى يغرسوا في قلوبهم محبتهم و هكذا عاشوا بكل محبة إلى أن وقعت معركة مع النجشي فجهز النجشي سفنا للمسلمين المهاجرين و أوصاهم بالبقاء فيها حتى إن انتصروا يخرجون منها فانتصر النجشي في معركته ففرح المسلمون كثيرا و تقول أم سلمة أنهم لم يفرحوا أشد من فرحتهم بانتصار النجشي إلا يوم لقاء الرسول صلى الله عليه و سلم
ثم عاد بعض أهل الحبشة المسلمين إلى مكة عندما سمعوا أن أهل قريش نطقوا بالشهادة من إعجازهم و لكن عودتهم لم تكن صائبة لأنهم تأذوا كثيرا من قبل أهل قريش فكان الصحابي عثمان ابن مضغون في كنف الوليد بن المغيرة إلا انه أبى أن يتأذى الصحابة و هو لا فذهب عثمان إلى الوليد و قال له فكني من جوارك فقال الوليد أوجدت أعظم من جواري فقال عثمان نعم فقال الوليد من فرد عثمان جوار الله أعظم فذهب عثمان إلى الكعبة فوجد شاعر يطلق الشعر و هو معروف عندهم أنه ممنوع مقاطعة الشاعر فقال له عثمان في الأولى صدقت و في الثانية قال له كذبت لان نعيم الجنة لا يفنى فانقض عليه أهل مكة فأبرحوه ضربا حتى أصبحت عينيه تسيل بالدماء فقال و الله لعيني السليمة مشتاقة لما أصاب أختها و هذا في جوار الله فسمع الرسول صلى الله عليه و سلم بما حدث فذهب إليه و أخذ ينفث على عينه حتى برأت فكان عثمان عينة من الذين تأذوا في مكة بعد عودتهم من الحبشة أين كانوا مطمئنبن و مكرمين تحت رعاية النجشي ذلك الملك الذي فرح كثيرا لما وصله خطابا من الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره فبه عن انتصاره في غزوة بدر فنزل النجشي عن العرش و وضع الخطاب على رأسه و سجد لله و قبل الخطاب و أسلم لكنه مات بعدها بوقت قصير و لما سمع الرسول بموته قال للصحابة قوموا صلوا صلاة جنازة الغائب على رجل صالح فقد مات أصلح عبد يحب الله و رسوله و هو النجشي